مكتبة أم مخرج طوارئ؟

كتابة نوف العوفي


مكتبة هيراكاتا تي-سايت في أوساكا، اليابان

لطالما وقعت في غرام الصور العشوائية، وتسريحات الشعر البسيطة ذات الطابع العملي، وتلك الشوارع التي تحمل ملامح شاعرية بين الإضاءات الخافتة والأشجار ذات التقليم العشوائي الممتد على الأرصفة. تلك الصور تعكس مخيلتي التي تعشق البساطة وجمالية الأشياء الآسرة. أكتب هذه السطور بعد مشاهدة صور مدهشة لمكتبة Hirakata T-SITE في مدينة أوساكا، اليابان.


تفاصيل أخاذة لمحبي الكتب والقراءة

كانت تلك المكتبة إلهاماً رائعاً للعودة إلى الكتابة بعد انقطاع غير مقصود. فأنا أؤمن دائماً أن الانصهار في تأمل الجمال يعني أن تعود بعقل يرغب في قول الكثير، سواء من خلال الكتابة، أو الحوار، أو مشاركة الأفكار مع أحدهم قبل أن تنفجر من هول تراكمها. هذا ما يفعله الجمال: يدفعنا لنصبح غير عاديين، لنصبح مبدعين

تلك المكتبة ليست مكتبة تقليدية تحوي رفوفاً مكدسة بآلاف الكتب، بل هي جنة عصرية صُممت للهروب، والاستجمام، والتأمل، واحتساء القهوة، والاستماع إلى موسيقى الجاز. وكأنها أُنشئت وفقاً لمخيلة الكاتب الياباني هاروكي موراكامي. تتألف هذه المكتبة الفاتنة من عدة أدوار ذات إطلالات زجاجية ضخمة تطل على المدينة، تغطيها ستائر بيضاء ناعمة. داخل المكتبة، تنتشر النباتات بشكل متناثر في أرجائها، مع أثاث خشبي بسيط يعكس روح الطبيعة الأم وروح زوارها الهاربين من زخم الحداثة وضجيج أيامهم. ستشاهد هناك زواراً يصنعون لحظاتهم الخاصة برفقة أنفسهم، إما بجانب النوافذ الساحرة في لحظات المساء، أو يجلسون في وسط المكتبة لتناول قهوة الصباح وتصفح الكتب بذهن صافٍ.


!مخرج طوارئ

إن مثل تلك الأماكن صُنعت لتكون مخرج طوارئ ينقذنا من أيامنا المتشابهة. إنها بقعة من نور في ظلام الحياة، يهرب إليها الكادحون والمتعبون ليجدوا وجهة جديدة تغسل أرواحهم بتكاليف ضئيلة. تماماً كما تفعل المقاهي، الحانات، أو محلات بيع الأسطوانات الموسيقية التي تتيح للناس الاستماع إلى الموسيقى دون مقابل. إنها جنان البسطاء. ولابد أن صاحب تلك المكتبة يحمل في داخله أفكاراً متراكمة حالمة، دفعته لتسخير تلك الرؤية الناعمة من أجل إنقاذ العالم عبر هذا المكان المفعم بالسلام والاسترخاء.

Previous
Previous

للجدران أذان

Next
Next

حديقةٌ داخليّة