شمولية الفن.. نظرة عبر منظور جديد

كتابة باسل إبراهيم


يعود ويشاركنا باسل إبراهيم تدويناته المتأملة في منصة ثلوثين، متسائلا هنا عن ماهية الفن وشموليته

باسل إبراهيم طالب طب وقارئ وكاتب ناشئ، شغفه موجود بالكتابة، والمقالات لها النصيب الأكبر من قلمه. كانت مقالاته حبيسة تدويناته الشخصية، وبدأ بنشر أولى مقالاته مع منصة ثلوثين، ويسعى أن تكون بداية لكتابة اسمه في عالم الكُتاب

الشاعر الروائي غازي القصيبي -رحمه الله- قرأت الكثير من أشعاره، بل ولا زلت غارقًا في أبياتٍ نظمها منذ القرن الماضي.. رواياته العظيمة التي حاربت أفكارًا وقتلت أخرى، وعززت وجود أفكار غيّرت من شكل المجتمع العربي عامةً والسعودي خاصة، ولكن تساؤلًا كان يراودني، ولا زال.. ما هو المغناطيس الذي أحد أقطابه يكمن في قلمه، والقطب الآخر يسكن فكري؟

الأديب عبدالرحمن مُنيف -رحمه الله- لطالما كنت أتساءل .. ما الذي يجبرني على قراءة رواياته؟ وما الذي يسحبني لها واحدة تلو الأخرى؟ رغم سوداويّتها وفحواها المتشبع بالكآبة والحزن، رغم لونها المظلم وأحداثها المدمّرة، والتي يُعتقد أنها مستوحاة من واقع أناسٍ يعيشون معنا في هذا العالم. وهذه نقطة من نقاط قوّة القراءة .. تظهر لك عوالم خفية، لم تكن تعتقد بوجودها بشكل أو آخر.

ممّ خُلقت الاهتمامات؟ لماذا يرى مشاهد كرة القدم حياة أخرى فيها؟ وما هو المحرك الأساسي لمشاعره تجاهها؟ ماذا عن أصحاب الموسيقى؟ لماذا يعيش مخيلةً يخرج بها عن واقعه المر حينها؟ ذلك الشعور الذي أقرب ما يكون إلى سفرٍ عبر الزمكان. معارض الفنون التشكيلية، لمَ كل ذلك الاهتمام تجاهها؟

انفجر عنصرٌ جديد، الوكالات الإبداعية والإنتاجية، مرئيةً وصوتية.. اتخذت بفضل الفنّ بعد توفيق الله بوابةً لتنافسٍ مُبهر، يستفيد منها المشاهد والمستمع، ويستمتع ويتشوق لأعمالهم، بل وأعطت للمواسم نكهةً إضافية بإعلاناتهم في رمضان، وتعبيرهم عن حبهم لأوطانهم في الأعياد الوطنية، بأفلامهم القصيرة والروائية، وببعض التفاصيل البسيطة التجارية.. حرّكت وأوصلت ما بداخل الناس لأناسٍ آخرين.

بعد بحثٍ وتحرٍّ فكري، بعد أيامٍ من الإرهاق العقلي، قرّر هذا الإلهام، وهذا الجواب أن يختار توقيتًا سيئًا ليجاوبني - سيئًا لظروف الدراسة لا أكثر - ولكن الإلهام وحب الكتابة وفضول الإجابة كان أكبر وأقوى مني ومن الدافع الدراسي.. حركني هذا الجواب تجاه قلمي، و ها أنا ذا أجيب نفسي وإيّاكم هذا التساؤل.

ما الذي يوصلهُ الأدباء غازي ومُنيف عند تحريك أقلامهم؟ ماذا يُحرك ليونيل ميسي عندما يتلاعب بقدميه؟ ماذا يقدم فان جوخ وبيكاسو عند تجهيز ألوانهم؟ ماذا يُسمِع عبادي الجوهر عند تحريك ريشته؟

ببساطة، إنّه الفن.. قد يعتقد البعض أنّ الفن يقتصر على الموسيقى، والرسم، والنحت، بينما الإجابة على التساؤل حدثتني عن الفنّ بشمولية .. نعم، الفن يتشكّل بشكل أو آخر، يتشكل في حبرِ الأديب، وقدم لاعب الكرة، وألوان الرسّام، وريشة العازف.

في منظومة المجتمعات.. كل فرد قائم بذاته، مُستقلًا بتفكيره.. لكن المجتمع لا يتكون إلا بتكامل اللأفراد. كذلك الفنون، كل فن يعبر بتعبيراته الخاصة، ولا يتكامل إلا بالفنون الأخرى.

في مقالة تخص الكاتب عبدالرحمن مُنيف نُشرت في صحيفة الجزيرة، بقلم شمس علي، يظهر لنا فيها جزءًا من رسالة مُنيف لصديقه مروان قصّاب.. يقول فيها: "إن الفنّ يُمكن أن يجعل البشر أكثر احتمالًا، إن لم أقُل أجمل".

كإجابة تقليدية عن سؤال جاذبية الفن لنا.. فإن الفنّ هو صورة صامتة داخلنا تُرجمت للواقع بواسطة الفنان.. بمشاعر الموسيقيّ، وأفكار الكاتب، ونظم الشّاعر، والصمت الناطق للرسّام.

آمل ألّا يقتصرُ الفن بعد الآن على مسميّات محدودة، وفنون معيّنة، فكلمة الفنّ راقية لأنْ تتسع لكل ما يجذب الإنسان ويحرّك ما بداخله، ويخرجه للعالم، وخصوصًا أن الفن ينبع من الإنسان للإنسان في ظل زحام الآلة التعيسة التي قد تقتل فينا الإنسان والفن. فالفنون صالحةً خالدة لكل زمان ومكان، ولكل حياة، بل إن الفنون حياة بذاتها. 

هذه كانت وجهة نظر وإجابة على التساؤل من مُحبٍّ للفن بأنواعه، ومحايدًا واقفًا في وجه كل من يحاول قتل الفن بصورة أو أُخرى، وآمل أن تكونَ الإجابةُ مقنعةً.


اقرأ تدوينة سابقة لباسل إبراهيم في ثلوثين.. واترك تعليقك في مربع النص أدناه

Previous
Previous

الفن والإنسان

Next
Next

بين القراءة والتدوين