المحتوى منتج استهلاكي
كتابة جمعة الجميعة
تحرير هيڤي عمّار
ظهر مفهوم الاستهلاك لأول مرة قبل الحرب العالمية الأولى، ليصبح مصطلحًا وفكرةً مألوفة في أمريكا في عشرينيات القرن الماضي، وارتبط مفهوم الاستهلاك بضروريات الحياة مثل؛ الطعام، والمأوى، والملبس – والتي دفعت البشر دائمًا للعمل في سبيل الحصول عليها. لم يكن هناك دافع اقتصادي كبير لزيادة الاستهلاك بين جمهور الناس قبل القرن العشرين، واعتبرت المنتجات المتوفرة ضرورية للكثير من أصحاب الطبقتين متوسطة وضعيفة الدخل بينما نَعم أصحاب الطبقة الثرية بنوع من الرفاهية، وذلك ما جعل صورة الاستهلاك مختلفة تماماً عن الاستهلاك الناشئ بعد القرن العشرين بين مختلف المجتمعات
يربط الكثير مشهد الاستهلاك بأمريكا كونها أحد دول الثورة الصناعية والدولة المسؤولة عن تطور شكل الاقتصاد في العالم
واعتمدت الشركات الأمريكية على الامتياز التجاري في الانتشار السريع حول العالم ورسخت فكرة الاستهلاك وأيديولوجيته عبر سيطرتها السياسية والاقتصادية. ساهمت الثورة الصناعية في ارتفاع دخل الفرد الذي غطى الضروريات الأساسية؛ ليحقق الرخاء الاقتصادي ويزيد من الرفاهيات ، ليصبح الاستهلاك فيما بعد ثقافة مبنية على الكسب والإنفاق الدائم كوسيلة لتحقيق السعادة، بينما استمرت المنتجات في التطور لتلبي احتياجات السوق الجديدة وتساهم في تحقيق مستوى عالي من الرفاهية المُخترعة والمُتحولة لصورة الضروريات
لا يطلق عادة مصطلح "منتج" على المحتوى، لكن أوجه التشابه الكثيرة بين حقيقة ما هو المُنتج تصنع هذا التماثل بينهما، ليصبح المحتوى شكلاً من أشكال الإنتاج، ليمر المحتوى في مراحل متعددة حتى يصل أخيرًا بشكله النهائي القابل للاستهلاك
تتعدد أشكال المحتوى لتشمل المرئي والمقروء سواء كان مادة معرفية أو حتى ترفيهية، أضاف الانسان مبكرًا مصطلح "استهلاك المحتوى" لينضم إلى قائمة من المنتجات العريضة المستهلكة. يعرف "استهلاك المحتوى" على أنه مجموعة من الأفعال كالقراءة والاستماع وحتى المشاهدة لأشكال مختلفة من الوسائط أو المواد الترفيهية
يستهلك البشر أشكالاً مختلفة من المحتوى يوميًا سواءً من خلال قراءة الجرائد الورقية أو الإلكترونية، وتصفح منشورات التواصل الاجتماعي، واستخدام خدمات البث، أول الاستماع إلى مواضيع مختلفة عبر قنوات البث الصوتي "البودكاست" أو حتى مشاهدة المحتوى على التيك توك وبقية وسائل التواصل الاجتماعية التي تدعم المرئيات
ومع تعدد الوسائل الناقلة للمحتوى مثل الهواتف النقالة (الجوال) والأجهزة المحمولة أصبحت منتجات المحتوى القديمة (الجرائد الورقية، البرامج التلفزيونية المنوعة) لا تواكب احتياجات السوق الحالي وتغير المشهد حيث صار من الواجب لتستبدل المنتجات القديمة بأخرى جديدة. تستمر المنتجات بالتطور يوميًا لتصطدم المنتجات الجديدة بعائق التعريف والتصنيف. هذا هو نوع الخلاف عما إذا كانت منصات مثل نتفليكس أو البودكاست منتجات جديدة بديلة عن التلفاز والإذاعة
انترنت أسرع.. استهلاك أكبر
يزداد عدد الشاشات التي يشاهدها ويتعرض لها البشر في أنحاء العالم خاصة في المدن المزودة بالإنترنت والتي تخلق قدرة أكبر للوصول إلى أنواع مختلفة من المحتوى؛ وتشمل شاشات التلفاز، أجهزة الألعاب، والشاشات الإعلانية في الشوارع. وحسب إحصائية نشرت في عام 2021 في الولايات المتحدة، يقضي الشخص البالغ فوق 18 عامًا في الغالب 12.5 ساعة مستخدمًا الوسائط والشاشات
لعب الإنترنت دورًا كبيرًا في رفع استهلاك المحتوى حيث يقدر المحتوى المنشور يوميًا على الإنترنت بأكثر من 2 مليار من البيانات من مختلف أنواع المواد المرئية والمسموعة والمكتوبة، حيث يستخدم 59.5% من سكان العالم الذي يقدر عددهم بأكثر من 7 بليون الإنترنت للوصول إلى أنواع مختلفة من المحتوى بشكل دائم ومستمر. وتساهم وسائل التواصل الاجتماعي في زيادة استهلاك المحتوى، نظرًا لسهولة الوصول للمعلومات واختيار بعض المعلومات المعينة أو حتى الاشخاص الذين نشترك معهم في دائرة الاهتمام. فاليوم مع الإنترنت لا يحتاج الفرد سوى هاتفه النقال الصغير المرتبط بشبكة الإنترنت ليصل ويستهلك مواد المحتوى المتنوعة وكل شيء آخر قد يتوفر عن طريق الشبكة. ساهم الإنترنت بالتأكيد في ترسيخ مبدأ الاستهلاك بالعموم و "استهلاك المحتوى" على وجه الخصوص، لم يتوقع الكثيرون أن يؤثر الإنترنت بطرق مختلفة في تغيير الوسائل الناقلة للمحتوى التي تستطيع مواكبة السوق الافتراضي ومنافسة المنتجات التقليدية الأخرى
تغيرت أدوات النشر هي الأخرى لتتكيف مع الشاشة والإنترنت وأصبح البرنامج الواحد يقوم بوظيفة التلفاز بجودة أعلى وتكلفة أقل. لم تعد المنافسة مجرد منتج تستطيع استخدامه ليقوم بتلبية احتياجك وإنما اتسعت لتشمل خيارات منها الوصول الأسهل وسهولة الاستخدام والجودة والسعر الأفضل. وتساهم استمرارية تطور أو تغير المنتج (المحتوى) حالة طبيعية تستلزم تكيف المنتج مع وسائل النقل الجديدة التي تتوفر لمختلف المجتمعات حول العالم
كابوس الانترنت والهواتف النقالة
طارد كابوس الإنترنت الكثيرين كخيار افتراضي لا يستطيع منافسة السوق الواقعي وبالرغم من ذلك استمرت أعداد مستخدمي الإنترنت في الازدياد بينما استمرت أعداد المشاهدة والاستماع للتلفاز والراديو في الانخفاض وفي بعض الحالات وصلت لحدود الانهيار في بعض المحطات، خصوصًا مع جيل ناشئ يعرف الآيباد أكثر من المربع الخشبي الذي يعرض صورة ملونة متحركة. ذكر سيرينتي جيبونز في مقال له على مجلة الفوربس الأمريكية: "أن خلف كل تحول في سياسة الطلب لدى العملاء يوجد اختراع جديد أو حدث مهم مؤثر"
يقدم الإنترنت والهاتف الذكي اليوم بدائل أفضل تضمن سهولة الوصول والسرعة مثل الخدمات الحكومية الإلكترونية، الشراء عن طريق الإنترنت وغيرها من الخدمات المقدمة كمنتجات مطورة مستوحاة من منتجات قديمة متداولة مثل المعاملات الورقية الحكومية، وطرق الشراء التقليدية
ومنذ صدور هاتف آبل الذكي (آيفون) للمرة الأولى عام 2007 أصبحت الأمور أكثر تسارعًا، الهاتف الذكي المزود بالإنترنت حل الكثير من المعضلات نظرًا لقدرته على تقديم مجموعة من الحلول وحلوله مكان الكثير من الأجهزة عن طريق تطبيقاته التي تجعل من الحياة المعقدة أكثر سهولة؛ فقد ساهم الإنترنت والجوال في تحول المنتجات القديمة إلى منتجات جديدة تستطيع تقديم نفس الخدمة بجودة وسرعة أكبر مع مواكبة طلب السوق الجديد والتسارع الحاصل في وتيرة الاستهلاك الحديث
الشكل الحديث للراديو والتلفاز
تعرف خدمات مثل البودكاست وشبكة النتلفيكس بأنها ابتكارات مضطربة Disruptive Innovation لم يتنبأ بها سابقًا، ومع ذلك تطرح حلول وخيارات أسهل بتكلفة أقل من الخيارات القديمة المتاحة في السوق مثل الإذاعة والتلفزيون التقليديين. يستطيع العميل عبر تطبيقات البودكاست وشبكة النتفليكس تحديد نوع المحتوى الذي يرغب بالاستماع له أو مشاهدته في أي وقت بأسعار منافسة لكن تختلف طريقة البودكاست والنتفليكس في صنع العوائد المالية
فقصة ظهور منصة النتفليكس كانت واحدة من أشهر القصص على أن اختراعًا كالإنترنت يمكنه تغيير شكل المحتوى ليتلاءم مع طلب السوق الجديد ، أو يخلق احتياجًا جديدًا يُشعر المجتمعات بالحاجة إليه ويخلق وجودًا ضروريًا لنوعية المحتوى المُخترعة
الظهور المفاجئ للبودكاست
في عام 2004 استخدم هامر سلي الصحفي في الغاردين البريطانية كلمة بودكاست لأول مرة للتعبير عن التدوين الصوتي، لتنتشر بعدها ثقافة التدوين الصوتي كثقافة صاعدة مختلفة عن الراديو التقليدي، وفي عام 2005 أطلقت آبل الأيتونز كبرنامج داعم للبودكاست، بحيث يلغي الحاجة إلى برنامج منفصل لتنزيلها أو حتى نقلها إلى جهاز محمول. بعد سنة تقريبًا من إتاحة الأيتونز كخيار على أجهزة الآيفون، أتاحت الكثير من برامج الراديو الإذاعية حلقاتها على الأيتونز ومواقعها الرسمية محاولةً مواكبة التطور السريع في المحتوى المسموع على أجهزة الهاتف النقال والأجهزة اللوحية والكومبيوتر أولًا ولمنافسة المنتج الجديد "البودكاست" الذي أصبح جاذبًا لعدد أكبر من المستمعين
يتشابه كل من البودكاست والراديو في كونهما منتجين صوتيين، ومع ذلك تبقى فوهة الفورقات بينهما شاسعة ومختلفة؛ يتميز البودكاست بكونه برنامجًا مسجلًا يمكن الوصول إلى كل حلقاته بطريقة سلسلة أكثر سهولة بينما تتقيد البرامج في الراديو بجدول زمني محدد يتواكب مع خاصية البث المباشر. يستطيع مستمعوا البودكاست الاستماع إلى برنامجهم المفضل في أي وقت ومكان، بينما يجب على مستمعي الراديو التقيد بمواعيد البث المباشر. تصنف برامج البودكاست بأنها برامج مخصصة لجمهور معين مهتم بشيء ما بينما تركز برامج الراديو على جذب انتباه فئة أوسع من المستمعين عبر عرض موضوعات منوعة على مدار الساعة تزيد من فرص استمرار الجمهور في الاستماع ومتابعة مواعيد البث والمشاركة وخلق مجتمع حيوي من خلال البرنامج الإذاعي ومواده
في البودكاست يستطيع المدون أن يحرر مادته الصوتية بالطريقة التي يرغب بها من خلال إضافة مواد صوتية أخرى على المادة الأساسية أو حتى اقتطاع بعض الأجزاء غير المناسبة، أما في الراديو فإن المذيع لا يستطيع تعديل أو إزالة الأخطاء في البث المباشر؛ من الجانب الآخر يفتقد البودكاست اللحظات العفوية المضحكة والممتعة أحيانًا والحزينة أحيانًا أخرى. وتحتل النقطة الأخيرة محل خلاف واضح لكن تبقى الفكرة الرئيسية هي التحكم في المنتج النهائي وعرضه بطريقة مناسبة. يرتبط عمر البرامج الإذاعية غالبًا بانتهاء البث المباشر، بينما يستطيع المستمع للبودكاست الوصول إلى أي حلقة في أي موسم بطريقة سهلة
يرى الكثيرون أن البودكاست هو المنتج الجديد من الراديو مع أن هناك الكثير من الفروقات بينهما التي سبق ذكرها؛ البودكاست مادة مسموعة في تخصص ومجال معين يستهدف خلالها شريحة محددة مهتمة، بينما يقلب الناس محطات الراديو دون وجود خطة مسبقة لنوع المحتوى الذي سيستمعون له ومع أن فكرة وضع جدول خاص لبرامج الراديو لكل مستمع مستحيلة لكن البودكاست استطاع أن يحل هذه المعضلة للأبد وأن يجعل من المستحيل واقعًا من خلال حرية أكبر في اختيار الوقت
يتابع المستمعون حلقة أو اثنتين في أوقات مختلفة من البودكاست المفضل لديهم دون الحاجة للتقيد بوقت البث، يستطيع المستمع إلى البودكاست الوصول إلى برامجه من خلال منصات متعددة مثل تطبيق سبوتيفاي أو تطبيق آبل بودكاست أو حتى قوقل بودكاست
البودكاست تطبيق خلق أداة تمنح حرية اختيار المحتوى المسموع المتناسب مع مجال اهتمام المستمع، يستمر البودكاست بالنمو كمنتج جديد على العديد من المنصات. ويبقى السؤال المطروح "هل سيتم التخلي عن الراديو قريبًا؟" إن فكرة وجود خيارات أكبر متاحة أمام العميل تكاد أن تكون صعبة لكن حتمًا سترفع من جودة المحتوى والخدمة المقدمة، بإمكاننا القول بأن البودكاست هو المنتج الحديث من الراديو
وكشأن أي منتج في السوق يجب أن يواكب الطلب أو يتماشى مع الأحداث الواقعة والتي تغير الطلب ما ينعكس حتمًا على منتج المحتوى والوسيلة الناقلة وهذا ما حدث بالضبط في حالة الراديو والبودكاست السابقة. فتغير النمط الاجتماعي للناس جعل توفر برنامج أو منصات تتيح برامج مسموعة تناسب الجداول المزدحمة للناس أو برامج متاحة حسب الاهتمام عنصرًا جذابًا لخلق شريحة واسعة من محبي منصات البودكاست وخلق قوائم برامج مفضلة
امتيازات قدمتها منتجات المحتوى الجديدة للسوق، هل هي رفاهية محضة
في عالم سريع التغير، وفي بيئة اجتماعية متنوعة امتاز بها العالم الحديث، أصبح السوق يحاول خلق الاحتياج حتى في الرفاهيات، فلم تصبح الرفاهيات مقتصرة على كونها رفاهية محضة، بل تحولت لتكون ضرورية لا بد منها ومنتجًا يُحاول الناس الحصول عليه ليشعروا بأنهم وفروا شيئًا أساسيًا، وهو ما يساهم الإنترنت في ترسيخه في عقول المستخدمين
فقصة شبكة النتفليكس كانت واحدة من أشهر القصص على أن الإنترنت يستطيع تغيير منتج المحتوى ليتلاءم مع تطور التكنولوجيا السريع. حاول راندولف وهاستينغز ملا بيع شبكة النتفليكس في عام 2000 إلى سلسلة بلوك باستر بمبلغ 50 مليون دولار، لكن الشركة التي تقدم خدمات تأجير الأفلام وألعاب الفيديو رفضت العرض بحجة أن هستيريا الإنترنت مبالغ فيها بالكامل. ظهرت النتفليكس كمنصة تقدم خدمة بث الوسائط والفيديو في 2007 كأحد الحلول الجديدة التي توفر بديل أسهل وأسرع عالي الجودة، وأصبحت الشركة النكتة في السابق مضرب المثل الجديد للاشتراك الشهري والبث عبر الإنترنت، لتنافسها شركات أخرى فيما بعد كهولو وآبل
بات التغير الدائم في نوع المحتوى المسموع أو المرئي مطلب رئيسي يواكب التغيرات المحيطة ويتناسب مع الطلب، وكثورة شبكة النتفليكس في بث الأفلام عبر الإنترنت، كان البودكاست ثورة الراديو الجديدة التي ستعيد إحياء المواد المسموعة وتسويقها من جديد. كانت هذه الثورة مثالًا حيًا على تحول الرفاهيات إلى حاجات، فالإنترنت ذو قدرة هائلة على تحيل المفاهيم من خلال خلق صور يستطيع الناس من أرجاء العالم التفاعل معها وترسيخها في مجتمعاتهم حتى في صورة الاستهلاك وترتيب الاولويات والحاجات
منتج جديد.. محتوى جديد
يحمل لك كل منتج جديد مختلف عن القديم مواصفات تميزه عن الآخر واضعًا معايير جديدة للمنافسة؛ تخلق الشركات الجديدة شروط منافسة قائمة على السعر والوصول وقيمة المحتوى وحصريته. شبكة النتفليكس بدأت مبكرًا في إنتاج محتواها الخاص من خلال الشراكة مع شركات إنتاج أخرى ومع ذلك ركزت على إنتاج مسلسلات أكثر جرأة عن المعروض في قنوات التلفاز التقليدي لجذب جمهور أكبر وعرض شيء مختلف عن السائد والمألوف كقيمة مضافة جديدة. لم يقتصر الفرق بين المنتج القديم والجديد على الجرأة فقط، بل اعتمد الجديد على خوارزميات تستطيع حفظ ما تشاهده في المنصة يوميًا وعلى ذلك يستطيع النتفليكس أن يقدم اقتراحات بشأن فلمك القادم أو مسلسلك اعتمادًا على المعلومات المحفوظة
إن ما تقدمه المنتجات الجديدة كالنتفليكس والبودكاست كبدائل للمنتجات القديمة ليست مجرد رفاهية وإنما خدمة مطورة تمكن العميل من اختيار محتوى يناسب اهتماماته، بالإضافة إلى حريته المطلقة في اختيار الوقت المناسب للمشاهدة أو الاستماع. هذه القدرة على خلق حالة شعورية من الحرية والرأي الحر في مشاهدة ما توده حول وجود المنصة من رفاعية إلى حاجة أساسية تقدم للناس مساحة من حرية الرأي والاختيار ما يجعلها منصات تعتمد بالمرتبة الأولى على دراسة الحالة الاجتماعية والسيكلوجية لتقديم خدمات متناسبة مع ما قد يوده الناس لخلق الاحتياج في المرتبة الأولى
وتعد السرعة العنوان الأبرز للكثير من اختراعات العقد العشرين؛ فتوفير الوقت والجهد والمال هي الاستثمارات طويلة الأمد. السوق يتغير بتغير أدواته، والتطور حالة طبيعية مستمرة مع الإنسان منذ الأزل، وحرية الاختيار حق مشروع لأي مواطن في أي دولة، أما حرية اختيار المحتوى؛ ما تسمع أو تشاهد قد تكون جزء من الرفاهية التي قد تستطيع التخلي عنها، إلا أنها أصبحت حالة جديدة من حرية الرأي المستحدثة في العصر الحديث. ومع ذلك لن تتوقف المنتجات عن التطور لأن الاستهلاك بشكل عام يعد مرتفعًا والبشر يحتاجون لمادة فريدة تمنحهم تجربة مختلفة أو حتى شعوراً بالتميز ما يجعل تبديد الأموال عملية منطقية مرتبطة بالحاجة
سلوك مثير للاهتمام
رفعت منتجات المحتوى بكافة أشكالها المنافسة على توجهات العميل الاستهلاكية، يواجه العميل مع كل خطوة فرص تزيد من حضور العلامة التجارية أو المنتج في عقله اللاواعي الذي يزيد فيما بعد استهلاكه؛ فالهوية وشكل المحتوى ومنتجاته تصنع ذاكرة دائمة تمهد لعلاقة ولاء طويلة الأمد، يشعر معها العميل بأن المحتوى هو صوته الذي يعبر عنه. وكل ما توافق المحتوى مع الأفكار، التوجهات والمشاعر، ازدات القدرة أن يؤثر بنا، التأثير الأخير هو الدافع لاتخاذ قرارات مستقبلية تصب بشكل أو بآخر في مصلحة الاستهلاك
في البداية يهتم العميل بشكل المحتوى من ثم يندفع تجاه منتجات أخرى قد تكون مرتبطة هي الأخرى بالمنتج الرئيسي أو حتى منفصلة عنه، يدخل العميل أو المستمع أو القارئ أو حتى المشاهد في مرحلة تفاعل مع المنتج تصل في النهاية لاستهلاك مستمر قد يتحول لروتين يومي مع مرور الوقت، وهو ما قد نجده مع توفر المواد والمحتوى المتنوع من خلال شبكات التواصل، فازدياد أشكال المحتوى يسمح بوصول أسرع وخيارات أوسع تخلق الحاجة لمعرفة كل جديد كشكل من أشكال الحاجة المُلحة للبقاء كجزء من العالم
دائمًا ما يقاتل الانسان على فكرة أن يكون مستقلًا دون فرض أي وصاية على أفكاره وقدرته على الاختيار، وقد انتقل شكل محاولته في حرية الرأي حتى لاختيار المحتوى الذي قد يفضله، لكن اصطدامه بقوالب لوغاريثمية جاهزة تختار له المحتوى تجعل منه هدفًا سهل الوصول وتجعل من عملية التأثير عليه أكثر سهولة
تمثل أشكال المحتوى ومنتجاته الدائرة التي تربطنا بالحياة والآخر عبر عالم موازي افتراضي نجد فيه أشباهنا الذين لا نستطيع الوصول لهم في العالم الواقعي، بينما تتنافس كل الشركات في محاولة الولوج إلى هذه الدائرة لتحقيق مكاسب مادية عبر بيع منتجاتها وترسيخ فكرة الاستهلاك مستعينةً بأشكال المحتوى وقنواته ومحاولة خلق الروابط بين محبي مواد معينة لتسهل عملية وصولها لتلك المجتمعات واختراق السيكلوجية التي قد تخلق معدل استهلاك أعلى
يستطيع راكب الأمواج أن يتخطى موجة عالية في طريقه لكنه يصطدم بعدد لا محدود من الأمواج؛ لا يمكن للعميل الصمود طويلًا كشخص مستقل أمام التحديات اليومية التي تحاول الاستفادة من نوعية الاستهلاك الشبه مفروضة كنمط حياة. ما نعيشه الآن من تطور ملحوظ في المحتوى وأشكاله في العالم وتحديدًا في السعودية هو نتيجة الرغبة في الوصول إلى عقل العميل السعودي اللاوعي من خلال ترسيخ الولاء للشركة ومنتجاتها، وتخلق هذه المحاولات صورة من الارتباط مع العلامات التجارية لتأنسن الاستهلاك وتجعل منه صورة طبيعية كجزء من إنسانية المجتمع
المحتوى في السعودية
نقلًا عن تقرير نشرته مؤسسة (ترند) بالتعاون مع الغرفة التجارية الصناعية بالرياض ووفق التقديرات فإن حجم الاستثمار في منصات الفيديو والمحتوى الرقمي يقدر بنحو مليار إلى 1.2 مليار ريال. أما على صعيد امتلاك الأجهزة واستخدام المنصات على مستوى المملكة، لفت التقرير أن مستخدمي الإنترنت في السعودية يبلغون 33.5 مليون نسمة يمثلون ما نسبته 95.7 في المئة من إجمالي عدد السكان. وتعد هذه النسب والأرقام كبيرة، وفرصة لزيادة عائد حجم الاستهلاك الناتج عن صثنع المحتوى ونشره
بدأت الشركات في السعودية تتوجه لتفعيل خيار المحتوى كسبيل للوصول ورفع الوعي بعلامتها التجارية لرفع مبيعاتها كنتيجة. تحول شكل المنافسة بين الشركات في محاولة الوصول إلى العملاء بطريقة مختلفة عن السابق، تلامس من خلالها عاطفتهم بمحتوى يستخدم نفس اللهجة والثقافة، وتحاول العلامات خلق رابطة واقعية بتحويل علاماتها لشخصيات تستهدف شخصيات أخرى قد تثير اهتمامها وتخلق من خلال هذه العملية الولاء المطلوب لخلق نوعية المبيعات والاستهلاك لعلامتها
ومع أن الاستهلاك مصطلح سلبي ليس له جانب مشرق، إلا أن تطور المحتوى وأشكاله له إيجابيات عديدة منها رفع جودة المحتوى المنشور وتحقيق التنافسية في السوق، وبالرغم من هذا يصطدم العميل بسلبيات تعزز من فكرة استهلاكه ليتعامل معها لاحقاً كجزء لا يمكن الاستغناء عنه في حياته، فقد خَلق المحتوى ومختلف أشكاله نوعاً من استهلاك المواد المنشورة؛ بالتالي استهلاكًا فكريًا وماديًا يعزز من منظومة وروتين الاستهلاك لديه
يفرض عصر السرعة تغيرات مختلفة تطال أسلوب الحياة وطريقة العيش ومعدل الرفاهية، لترتفع وتيرة الاستهلاك بشكلٍ عام في المنتجات من حولنا وبشكل خاص في المحتوى لأنه مرتبط بدائرة تبدأ من شكل المنتجات والاحتياج لها وتأثير الإنترنت ووسائل نقل المحتوى في تعزيز الاستهلاك وترسيخه في عقل العميل اللاواعي الذي يمثل لب السلوك. حتمًا سيستمر تطور المنتجات ومعها ستزيد المنافسة من قبل الشركات لاستخدام طرق متعددة أحدها المحتوى للولوج لعقل العميل وبناء أفكار مرتبطة بالمنتج تساعده لاحقًا في الغرق في الاستهلاك
جمعة الجميعة كاتب، نُشرت له مجموعة مقالات عن الأغنية السعودية في ثمانية
المراجع
https://www.bbvaopenmind.com/en/articles/internet-changed-everyday-life/
https://seedscientific.com/how-much-data-is-created-every-day/#:~:text=How%20much%20content%20is%20created,rate%20will%20become%20even%20greater
https://thereader.mitpress.mit.edu/a-brief-history-of-consumer-culture/
https://aawsat.com/home/article/3114021/%D9%86%D9%85%D9%88-%D8%B3%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AA%D9%88%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%82%D9%85%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A-%D8%A5%D9%84%D9%89-53-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1-%D9%81%D9%8A-2030